عندما قررت جوجل غزو سوق الصين عام 2005 كانت تعي تماماً أن للصين أكثر من سور عظيم . ووافقت على الشروط الصينية في حجب بعض الموضوعات الممنوعة في الصين من نتائج البحث وفيديوهات معارضة للحكومة الصينية عن موقع يوتيوب مما عرضها لانتقادت دولية لاذعة آنذاك . لكن إغراءات سوق الصين العظيم على ما يبدو اضطرتها لتحمل تلك الانتقادات.
وبدت جوجل أنها تعي قواعد اللعبة في السوق الصيني وهي ضرورة أن تخلع جلدك وتتصين ” تصبح صينياً ” كي تنجح أو تكون مقبولاً في الثقافة والمجتمع الصيني.. وهكذا فعلت ، فقد اختارت لها اسماً باللغة الصينية قريباً من اسمها وهو “غو غا” ويعني وادي الأغاني .تماماً كما فعلت غيرها من الشركات الأجنبية في الصين مثل سلسلة مطاعم ماكدونالدز التي اختارت اسماَ بمسحة اشتراكية هو ” ماي دان لاو ” أي إعمل كي تأكل أو كارفور التي أصبحت ” جيا لي فو ” أي العائلة الغنية والسعيدة.
وافقت جوجل في حينه على الشروط الصينية التي عادة ما تكون فضفاضة وتخضع لأكثر من تأويل بل إن الرئيس التنفيذي للشركة إريك سميث ذهب أبعد من ذلك في التماهي مع الثقافة الصينية عندما قال :”إن للصين تاريخ يمتد لأكثر من خمسة آلاف عام ونحن لدينا خمسة آلاف عام من الصبر والتصميم لمستقبلنا في الصين”.
لكن يبدو أن صبر جوجل قد نفذ قبل انقضاء السنوات الخمس الأولى من وجودها في بلاد التنين إذ هددت بأنها تدرس إمكانية انسحابها من السوق الصيني احتجاجاً على تغول الرقابة الصينية وعلى عمليات قرصنة على أنظمتها الحاسوبية خاصة البريد الالكتروني لبعض المعارضين الصينيين ـ كما أعلنت جوجل ـ . الأمر الذي نفته بكين وأكدت أن فضائها مفتوح وبأن قوانينها تمنع القرصنة الالكترونية بل وتحاربها لكنها في نفس الوقت دعت الشركات الأجنبية إلى احترام القوانين الصينية.
قرار جوجل أثار جدلاً كبيراً داخل الصين وخارجها حيث أكد البيت الأبيض دعمه لجوجل مذكراً بدعوة الرئيس أوباما خلال زيارته إلى الصين في نوفمبر الماضي إلى ضرورة حماية حرية الانترنيت. كما أشاد أعضاء في الكونغرس الأمريكي أيضاً بقرار جوجل .
الاختراعات الصينية القديمة الورق والحبر والبوصلة والبارود على صفحة جوجل الصينية
أما الصين الرسمية فقد أصرت على موقفها بضرورة احترام الشركات الاجنبية للقوانين الصينية وعلى حق الحكومة في حماية مواطنيها مما أسمته المواقع الإباحية والضارة على الشبكة العنكبوتية.
أما على المستوى غير الرسمي فقد تضاربت المواقف والآراء فقد أكد جانغ جيان عميد كلية الاعلام للجزيرة نت ” إن انسحاب جوجل من الصين سيزعج الكثير من متصفحي الانترنيت ويحزنهم لكنه بالتأكيد سيفرح بعض المسئولين الصينيين ،فتدفق المعلومات بشكل حر على موقع جوجل يقع خارج إطار السيطرة الصينية بخلاف وسائل الاعلام الصينية وهذا ما لا يرغب به بعض المسئولين الرسميين كما أن ذلك سيترك السوق مفتوحاً لمحرك با يدو الصيني دون أية منافسة تذكر.”
أما عميد كلية الاعلام في جامعة تشينخوا لي شي غوان فكان له رأي مختلف فقد قال للجزيرة نت :”إن تهديد جوجل كمن يهدد بالانتحار.. فالانسحاب من السوق الصيني يعني الانسحاب من السوق الدولي ” معتبراً أن تهديد جوجل ما هو إلا أداة ضغط في المفاوضات الجارية مع الحكومة الصينية ومتهماً عملاق الانترنيت بالجهل بقوانين السوق وثقافة السوق الصيني.
جوجل باللغة الصينية تعني وادي الأغاني
ويرى مراقبون أن هذا الاحتكاك بين الصين التي تمتلك أكبر سوق للانترنيت في العالم وصل عدد متصفحيه إلى أكثر من ثلاثمائة مليون متصفح وبين جوجل أكبر محرك للبحث ما هو إلا إرهاصات لتوترات قادمة أكثر شمولاً سيشهدها العام الجديد بين بكين وواشنطن لن تكون الانترنيت وحقوق الانسان عناوينها الوحيدة بل ستشمل إلى جانب ذلك التاءات الثلاث المعروفة تايوان والتيبت والتجارة .
وفي ظل هذه الأجواء من المرجح أن تصر الحكومة الصينية على عدم الرضوخ لتهديدات جوجل وتترك لصاحب وادي الأغاني أن يختار بين أن يغتني شرط أن يغني على إيقاع صيني أو أن ينسحب من الوادي ويغني على ليلاه.
المصدر: الجزيرة توك